كان شخصية عجيبة، نجح أن يكون من معالم حارة السقايين .. كان ربعة لا هو بالطويل ولا هو بالقزم ، أبعد ما يكون عن وصف عريض المنكبين قصير القامة بمقاييس الطول ، ومع ذلك كان يمشى عجبا وكأنه عبدالحميد الجندي (أحد أعظم أبطال مصر والعالم فى رياضة كمال الأجسام) وكأنه فوزي سليمان (أحد أبناء حارة السقايين وبطل مصر وإفريقيا فى الملاكمة ستينيات القرن الماضى وأحد ضباط الصاعقة المصرية من أبطال معركة شدوان)
غير أن صاحبنا هذا لم يكتسب شهرته فى حارة السقايين وضواحيها من قامته وخواصه الجسمانية، إذ نجح وبجدارة فى أن يكتسب لقب أبو العريف الذى يفهم فى كل شيء ويضع أنفه فى كل شيء، ولا يكف عن الإدلاء برأيه فى كل ما يحدث فى الحارة وفى ضواحيها، بل وفى مصر كلها والعالم شرقه وغربه وشماله وجنوبه.
أبو العريف كان ينصح أم بيسى أشهر صانعة (مفتقة) فى عابدين بكيفية تحسين مبيعاتها والارتقاء بإنتاجها من المفتقة، ويقترح لها بعض الاضافات التى تحسن الطعم وتقوي الرائحة
أبو العريف كان يرسم الخطط لفرق كرة القدم التى تنطلق من الحارة إلى ميدان عابدين (كان الميدان فى ستينيات القرن الماضى يشهد اقوي منافسات الكرة الشراب ومنه خرج أعظم النجوم) لتواجه الفرق القادمة من القلعة والسيدة وضريح سعد.
أبو العريف كان يناقش طلبة الحارة من الدارسين فى كلية الطب ويجادلهم فى أسباب الصداع وعسر الهضم وينافسهم فى تقديم الوصفات الطبية لأبناء الحارة
أبو العريف كان يشرح المناهج الدراسية وينصح التلاميذ بالأسلوب الأمثل للحصول على أعلى المجاميع والأسلوب الأمثل لكتابة رغبات مكتب تنسيق القبول بالجامعات.
أبو العريف لم يتردد فى إظهار قدراته ومعارفه الهندسية، فكان يدلى بدلوه فى الأسلوب الأمثل لترميم المبانى وتقييم الآيل منها للسقوط ، وكان يقدم نصائحه للشركات التى تتولى رصف الحارة ودروبها.
أبو العريف لم يعترف بأنه المسئول عن كساد مفتقة أم بيسى، ولم يعترف بأن خططه سبب هزائم فرق الحارة فى كرة القدم .. أبو العريف لم يعترف بما سببته وصفاته الطبية.. ولم يعترف بأنه سبب انهيار العديد من بيوت الحارة.. أبو العريف تبنى أن ابناء الحارة هم السبب وانهم لم يستوعبوا أفكاره وخططه المتقدمة...
أبو العريف أصبح ذكري مثل كثير من أبناء الحارة.. يحسب له أنه كان حسن النية، وكان محبا للحارة، ومن الحب ما أضر.. رحل أبو العريف وبقيت الحارة.
----------------------
بقلم: عبدالغني عجاج
من المشهد الأسبوعي